
في الذكرى الأولى لرحيل عبدو الله بابه أميمه: سليل المروءة الذي غاب جسداً وبقي معنى
تمرّ السنة الأولى على رحيل عبدو الله بابه أميمه، وما زال اسمه يتوهّج في الذاكرة كما تتوهّج نجمة لا تعرف الأفول.
عامٌ مضى، لكن الصدى ما زال حياً في القلب، والعطر ما زال يعبق في دروب الذكرى، والوجه الطيّب ما زال يسكن مرافئ الحنين كأنه لم يغادرنا إلا إلى فسحةٍ من نور.
ذلك الرجل، الذي كان إذا ذُكر، سكنت القلوب إجلالاً، وإذا حضر، ألقى على المكان هالة من الوقار والصفاء.
كان من الذين يصنعون الحضور بصمتهم، ويغرسون في الأرواح معنى الكرم والمروءة والصدق دون خطابة أو ادّعاء.
أذكر آخر لقاء جمعني به، في تمبدغة، حين كنت إلى جانب والدي يحفظ دهمد، وكانت لحظة لا تزال معلّقة في قلبي كحلمٍ لا يُنسى.
نظر إليّ بعطف الأبوة ونبل الصداقة، وقال بصوته الجهوري الواثق:
> “محمدي، نحن في الخدمة.”
جملةٌ قصيرة، لكنها حملت في معناها ما لا تحمله المجلدات من صدقٍ ومحبةٍ وسموٍّ في المعنى.
كانت تلك الكلمات آخر ما سمعته منه، لكنها بقيت ترنّ في أذني كعهدٍ من النبل، وكوصية من رجلٍ كريمٍ أدرك قيمة الكلمة حين تخرج من القلب.
لقد كان عبدو الله بابه أميمه رجل مواقف، وابن بيئةٍ تعرف الرجولة في سكونها قبل كلامها، وتعرف الشرف في بساطتها قبل مظهرها.
كان سخياً بالعطاء، صادق الوعد، لا يخذل صاحباً ولا يتأخر عن نداءٍ في الخير.
عرفه والدي يحفظ دهمد صديقاً نادراً، تشارك معه الدرب والمواقف والذكريات، فكان بينهما ما يشبه الأخوّة في الصفاء والوفاء.
وما زال والدي، حتى اليوم، يذكرك يا عبدو الله بحنينٍ لا يبهت، وبكلماتٍ يقطر منها الدعاء.
في ذكراك الأولى، أقف أمام ذكراك بخشوع، وأقول:
رحمك الله يا عبدو الله بابه أميمه، فقد كنت من أولئك الذين لا يمرّون في حياتنا مرّ السحاب، بل يتركون أثراً لا يُمحى، وعبيراً لا يذبل، وسيرةً تروى في كل مجلسٍ يذكر فيه الخير.
نم قرير العين أيها الرجل النبيل، فقد أبقيت بعدك ما يخلّدك:
سيرةً ناصعة، وذكراً طيباً، وقلوباً تحبك وتدعو لك كل يومٍ بالرحمة والرضوان.
سلامٌ عليك يوم جئت إلى الدنيا مكرّماً، ويوم غادرتها مرفوع الرأس، ويوم تُبعث على المروءة والصفاء.
محمد يحفظ دهمد